
يقع جبل البحيص في القطاع الأوسط من إمارة الشارقة، ويرتفع لحوالي (340 م) فوق مستوى السهل المجاور. يتكون الجبل من طبقات كلسية تعود إلى العصر الجيولوجي المؤرخ إلى (60-65) سنة مضت.
وقد شهدت سفوح الجبال والمنطقة المحيطة به سلسلة من التنقيبات الأثرية المكثفة خلال السنوات الماضية. وأسفرت التنقيبات عن كشف مقبرة واسعة تضم قبوراً عديدة تعود إلى فترات زمنية مختلفة؛ ابتداءً من العصر الحجري الحديث، مروراً بالعصرين البرونزي والحديدي إلي العصر الهلنستي. فيما يتعلق بمدافن العصر الحجري الحديث والمستوطن المجاور، فقد أرخت بقاياه بواسطة الكاربون الإشعاعي إلى بداية الألف الخامسة ق. م، أما العصر البرونزي فقد تمثل بعدد كبير من المدافن التي تؤرخ إلى النصف الأول من الألف الثالثة ق. م، وإلى فترة “وادي سوق” المؤرخة إلى النصف الأول من الألف الثانية ق. م.
وتضم قبور هذه الفترة مجموعة متنوعة من المدافن بالحجارة فوق الكبيرة المشيدة بالحجارة فوق الأرض وأخرى مشيدة تحت الأرض، ويعتبر هذا القبر متميزاً وفريداً من نوعه لا يضاهيه مثل سابق لحد الآن، في جميع أنحاء شبه جزيرة عمان. شيِّد المدفن على شكل ورقة البرسيم المكونة من أربعة فصول دائرية الشكل، يتوسطها مدخل إلى جهة الشرق يؤدي إلى غرف دفن داخلية، تم العثور فيها على العديد من الهياكل العظمية البشرية، وقد رافقتها كمية وافرة من هدايا الدفن المتنوعة من أوعية فخارية مصبوغة وحجرية وأسلحة معدنية ومجوهرات شخصية. وتمثل القبور أنواعاً أخرى من قبور فترة “وادي سوق” المشيَّدة تحت الأرض والتي ضمت أعداداً كبيرة من المواد واللقى الأثرية، وجنباً إلى جنب مع المدافن المذكورة أعلاه فقد ضمت مقبرة البحيص مدافن أخرى تعود إلى العصر الحديدي المؤرخ إلى الألف الأولى ق. م، واتخذت معظم قبور هذه الفترة شكل حفر أرضية بسيطة تم استخدامها لأغراض الدفن المنفرد والجماعي أيضاً. وكذلك فقد استخدم سكان العصر الحديدي القبور المشيدة خلال الفترات الزمنية السابقة لأغراض الدفن أيضاً. ومن المهم أن نشير إلى ظاهرة استعمال الكهوف والمآوي الصخرية التي تتوفر بصورة طبيعية على سفوح الجبل لأغراض الدفن بعد تحصينها بإضافة جدران حجرية أخرى وتحويلها إلى حجر مناسب لأغراض الدفن، وقد عثر داخل هذه الكهوف على أعداد من الهياكل العظمية وعدد كبير من اللقى الأثرية خاصة الأوعية الفخارية التي تحمل بصمات العصر الحديدي المتميز، وكذلك الصناعات المعدنية كالأواني والأسلحة، ونشير هنا بشكل خاص إلى مجموعة رؤوس السهام البرونزية والتي يحمل البعض منها حزوزاً زخرفية. إضافة إلى ذلك، ضمت سفوح جبل البحيص عدداً قليلاً من القبور التي تعود إلى الفترة الهلنستية، وتم العثور بداخلها على عدد من الأواني الزجاجية ذات أشكال متميزة.